تأثير المقارنة الاجتماعية على النفس

بمن أُقارن نفسي؟ سايكولوجيا المقارنة الاجتماعية

المقارنة الاجتماعية هي ظاهرة نفسية تحدث عندما يقارن الفرد نفسه بالآخرين في جوانب مختلفة من حياته. قد تكون هذه المقارنات جزءًا من عملية تطوير الذات، ولكنها في العديد من الأحيان تؤدي إلى مشاعر من القلق، الإحباط، أو حتى الغرور. تُعتبر المقارنة الاجتماعية جزءًا من الطبيعة البشرية، حيث يسعى الإنسان دائمًا إلى تقييم مكانته الاجتماعية، النفسية، والاقتصادية مقارنة بالآخرين. ولكن ما هي الآثار النفسية لتلك المقارنات؟ وهل هي دائمًا ضارة أم يمكن أن تكون مفيدة؟ في هذا المقال، سنغوص في علم النفس وراء المقارنة الاجتماعية وأثرها على الفرد.

1. المقارنة الاجتماعية: مفهومها وتاريخها

تعود جذور دراسة المقارنة الاجتماعية إلى السبعينيات من القرن العشرين، حيث قدم عالم النفس الأمريكي، ليون فستنجر، نظرية المقارنة الاجتماعية التي تنص على أن الناس لديهم ميل فطري للمقارنة بأنفسهم مع الآخرين بهدف تقييم قدراتهم ومواقفهم النفسية. ووفقًا لفستنجر، فإن الأفراد يقومون بالمقارنة الاجتماعية عندما تكون هناك حالة من عدم اليقين بشأن قدراتهم أو مواقفهم، حيث يلجؤون إلى الآخرين كمؤشر لقياس أنفسهم.

المقارنة قد تتم بطريقة غير واعية في كثير من الأحيان. عندما ينظر الفرد إلى شخص آخر يحقق نجاحًا كبيرًا في مجال معين، يشعر بضغط داخلي يمكن أن يدفعه إما للعمل بجد لتحقيق نفس النجاح أو التراجع والشعور بالعجز.

2. أنواع المقارنات الاجتماعية

تختلف المقارنات الاجتماعية باختلاف السياقات والمجالات التي يتم فيها التقييم، ويمكن تصنيفها إلى عدة أنواع رئيسية:

• المقارنة مع الآخرين (المقارنة الأفقية): يشير هذا النوع إلى مقارنة الفرد نفسه بأشخاص في نفس المستوى الاجتماعي أو المهني. على سبيل المثال، مقارنة الشخص بزملائه في العمل أو أقرانه في المدرسة.

• المقارنة مع الأشخاص الأعلى (المقارنة الرأسية للأعلى): يتم فيها مقارنة الذات بأشخاص يبدو أنهم في موقع أفضل أو أكثر نجاحًا. قد يؤدي هذا النوع من المقارنة إلى الإحساس بالنقص أو التحفيز للتطور.

• المقارنة مع الأشخاص الأدنى (المقارنة الرأسية للأسفل): وفي هذه الحالة، يقارن الشخص نفسه بأولئك الذين يعتبرهم في موقف أقل منه. قد يساهم هذا النوع من المقارنة في تعزيز الشعور بالرضا أو الغرور.

• المقارنة مع الذات في الماضي (المقارنة الزمنية): يشير هذا النوع من المقارنة إلى تقييم تقدم الفرد مقارنة بما كان عليه في السابق. هذا يمكن أن يكون مفيدًا إذا كان يعكس نموًا إيجابيًا، أو محبطًا إذا شعر الفرد بعدم التقدم.

3. أسباب المقارنة الاجتماعية

هناك عدة أسباب قد تدفع الفرد للانخراط في المقارنة الاجتماعية، تشمل:

• الشعور بعدم اليقين: عندما يواجه الإنسان حالة من الشك حول قراراته أو مكانته الاجتماعية، قد يلجأ إلى مقارنة نفسه بالآخرين من أجل الحصول على إشارات تساعده على اتخاذ قراراته.

• الضغط الاجتماعي: في عالم مليء بالمعايير الاجتماعية المتغيرة باستمرار، قد يشعر الأفراد بضغط لمواكبة الاتجاهات الحالية أو الحفاظ على صورة معينة في أعين الآخرين.

• التحفيز الذاتي: بعض الأفراد يستخدمون المقارنة الاجتماعية كمحرك لتحفيز أنفسهم لتحقيق أهدافهم. يمكن أن تكون المقارنة مع الأشخاص الناجحين دافعًا للعمل بجد لتحقيق النجاح.

4. الآثار النفسية للمقارنة الاجتماعية

على الرغم من أن المقارنة الاجتماعية يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا في بعض الأحيان، إلا أنها غالبًا ما تؤدي إلى العديد من الآثار النفسية السلبية:

• الشعور بالنقص والغيرة: عندما يقارن الفرد نفسه بشخص يبدو أكثر نجاحًا أو سعادة، قد يشعر بالإحباط والعجز عن بلوغ نفس المستوى. هذا الشعور يمكن أن يتسبب في فقدان الثقة بالنفس.

• التوتر والقلق: المقارنات المستمرة مع الآخرين يمكن أن تؤدي إلى شعور دائم بالتوتر والقلق. في بعض الحالات، يصبح الشخص مهووسًا بتحقيق المعايير الاجتماعية التي يراها عند الآخرين، مما يعزز مشاعر الضغط النفسي.

• الاستسلام وعدم الرغبة في المحاولة: إذا كانت المقارنات دائمًا مع الأشخاص الأعلى (المقارنة الرأسية للأعلى)، قد يشعر الفرد بالعجز واليأس ويقرر التوقف عن محاولة تحسين نفسه، مما يؤثر سلبًا على تقديره لذاته.

• التعزيز الإيجابي: في حالات أخرى، قد تؤدي المقارنة مع الآخرين إلى مشاعر إيجابية مثل الرغبة في التحسين الشخصي أو الرغبة في الوصول إلى نفس مستوى النجاح. هذا يمكن أن يكون محفزًا إذا تم بشكل صحي.

5. المقارنة الاجتماعية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي

أصبح دور وسائل التواصل الاجتماعي في المقارنة الاجتماعية أمرًا ذا تأثير كبير في السنوات الأخيرة. منصات مثل “إنستغرام” و”فيسبوك” تعرض صورًا لحياة مثالية للآخرين، مما يزيد من ميل الأفراد لمقارنة حياتهم الخاصة بحياة الآخرين.

العديد من الأشخاص يختارون عرض أفضل جوانب حياتهم على هذه المنصات، مثل النجاح المهني أو الرحلات الفاخرة، مما قد يجعل الآخرين يشعرون بالإحباط لأن حياتهم لا تتماشى مع هذا النموذج المثالي. وفي الواقع، فإن الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تعكس بالضرورة الواقع بأسره، حيث يتم تصفيتها وترتيبها لتعزيز صورة مهنية أو شخصية إيجابية.

6. كيف يمكن التعامل مع المقارنة الاجتماعية بشكل صحي؟

على الرغم من أن المقارنة الاجتماعية قد تكون ضارة إذا تم التعامل معها بشكل غير واعٍ، إلا أنه يمكن تعلم كيفية إدارة هذا الميل البشري بطريقة تدعم التطور الشخصي بدلاً من أن تعيقه. هناك عدة استراتيجيات يمكن أن تساعد في التعامل مع المقارنة بشكل صحي:

• الوعي الذاتي: من المهم أن يكون الشخص واعيًا لآثار المقارنات الاجتماعية على حالته النفسية. الوعي يساعد في اتخاذ قرارات أكثر توازنًا حول كيفية استجابة المشاعر الناتجة عن المقارنة.

• التركيز على النمو الشخصي: بدلاً من مقارنة نفسك بالآخرين، يمكن أن يكون أكثر فاعلية التركيز على التقدم الشخصي وتحديد أهداف واضحة ومحددة للمستقبل.

• الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي: تقليل التعرض للصور والمحتويات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي قد يساعد في تقليل الميل للمقارنة المستمرة مع الآخرين.

• تعزيز الشعور بالامتنان: بدلاً من التركيز على ما ليس لدينا، يمكن تعزيز الشعور بالامتنان لما نملك وتحقيق الرضا الشخصي.

7. خلاصة

المقارنة الاجتماعية هي جزء لا يتجزأ من النفس البشرية، يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي أو سلبي حسب الطريقة التي يتعامل بها الشخص معها. في حين أن المقارنة مع الآخرين قد تكون دافعًا للتحسين الشخصي، إلا أنه من المهم تجنب أن تصبح مصدرًا للقلق والإحباط. بوعي كامل واستراتيجيات مرنة، يمكننا استخدام المقارنة الاجتماعية كأداة لتحفيز الذات بدلاً من أن تكون عائقًا أمام النمو الشخصي.